لا يجوز التذرع بمكافحة الإرهاب لقهر الشعوب
مبادرة الرئيس التونسي حول الإرهاب تلقى استجابة واسعة من برلمانيي أوروبا والمتوسط
المجلس البرلماني الأورو-متوسطي يدعو الى عقد مؤتمر دولي لإصدار مدونة سلوك لمكافحة الإرهاب
في موقف متحرر من كل الحسابات السياسية والاعتبارات الدبلوماسية التي تحكمها المصالح الضيقة، استجاب المجلس البرلماني الأورو-متوسطي في دورته العادية الثالثة لمبادرة الرئيس التونسي زين العابدين بن علي حول كيفية معالجة موضوع الإرهاب الذي بات يؤرق الجميع.
ودعا المجلس في بيانه الختامي إلى عقد مؤتمر دولي تحت إشراف الأمم المتحدة لإصدار مدونة سلوك دولية لمكافحة الإرهاب لتسهيل إقامة حوار مسؤول من أجل وضع قاسم مشترك لمكافحة هذه الظاهرة الخطيرة.
ولم يكتف البرلمان الأورو-متوسطي بهذه الدعوة ،وإنما طالب أيضا في بيانه الختامي الذي صدر قبل يومين بضرورة دعم التعاون بين المجموعة الدولية لمكافحة الإرهاب، والقضاء على أسبابه وفق مقاربة شاملة أساسها الحوار والتضامن.
وتأتي هذه الاستجابة النوعية لمبادرة الرئيس التونسي زين العابدين بن علي التي أطلقها في تسعينيات القرن الماضي في لحظة تاريخية مفصلية جعلت الدوائر السياسية تتوقف مطولا أمام أبعادها ودلالاتها لاسيما في هذا الظرف المشحون بازدواجية المعايير الغربية التي حوّلت موضوع الإرهاب إلى مطية لتبرير قهر الشعوب والتدخل في شأنها الداخلي.
وتكمن أهمية هذه الاستجابة في أنها جاءت من برلمانيين يمثلون شعوب 37 دولة أوروبية وعربية، وفي توقيتها الذي يأتي قبل أيام معدودة من القمة العربية العادية التي ستستضيفها الرياض نهاية آذار/مارس، ما يعني إمكانية توظيفها لصياغة موقف عربي موحد داعم للمبادرة التونسية، وبالتالي اعتمادها في مواجهة المقاربات الخاطئة التي تتعمد إلصاق الإرهاب بالعرب والمسلمين دون غيرهم.
وتحسب هذه الاستجابة التي جاءت لتدعم موقف الجمعية العامة للاتحاد البرلماني الدولي الذي أيد بالإجماع خلال شهر أكتوبر/تشرين الأول من العام 2004 مبادرة الرئيس التونسي لعقد مؤتمر دولي حول الإرهاب يتم خلاله بلورة مدونة سلوك يلتزم بها الجميع، ستساهم بشكل كبير في إسقاط الأقنعة عن وجوه القوى التي ما فتئت تنادي بمحاربة الإرهاب، وتمارس نقيضه على أرض الواقع في مفارقة كثيرا ما آلمت الشعوب العربية.
وليس مبالغة القول إن مبادرة الرئيس التونسي بشأن معالجة آفة الإرهاب تنطوي على الكثير من المفاعيل والآليات التي من شأنها لو أخذ بها تخليص العالم من هذه الآفة والتأسيس لمرحلة جديدة من التعايش المشترك في كنف الأمن والإستقرار.
ويتجلى ذلك في أن هذه المبادرة ارتكزت على مقاربة شاملة أساسها الوقاية وفق سياسة متوازنة تشمل مختلف القطاعات، تبدأ بمعالجة الأسباب المغذية للإرهاب والتطرف من خلال القضاء على الفقر والتهميش والإقصاء، ولا تتوقف عند إزالة مظاهر الغبن والظلم، وإنما تذهب بعيدا عبر التأكيد على أهمية تكريس قيم العدل والسلم والأمن والاستقرار، ومبادئ الحوار والتسامح والوفاق الدولي.
ويقول الرئيس التونسي في هذا السياق إن "الوقت قد حان اليوم للقضاء على بؤر التوتر والصراع بتخليص الشعوب التي مازالت تعاني الاحتلال، وفي مقدمتها الشعب الفلسطيني من القهر المسلط عليها الذي يتنافى مع مبادئ الحرية والعدل التي تؤمن بها كافة الدول والشعوب، ويضعف مصداقية المؤسسات الأممية عندما تتعامل مع بعض القضايا الدولية بمكيالين".
وشدد ابن علي في أكثر من مناسبة على أن حوار الحضارات يشكل "إحدى الدعامات الجوهرية لتعزيز وعي المجموعة الدولية بضرورة الإسراع بكبح نزعات العنف والإرهاب، وإرساء صيغ ملائمة من الحوار والتعاون، توفر الأمن والسلام والتقدم للجميع" باعتباره "السبيل الامثل لمعالجة الانعكاسات السلبية لظاهرة العولمة وتنشيط التعاون والتضامن بين الشعوب، في ظل الشراكة المتكافئة والاحترام المتبادل".
ولم يكتف بذلك، وإنما أطلق العديد من المبادرات الرافدة لهذه المواقف، حيث دعا إلى نظام عالمي أكثر عدالة يؤسس لواقع جديد يقوم على القيم الثقافية والحضارية النبيلة، بعيدا عن كل أشكال المفاضلة والتعامل بمكاييل مزدوجة ومعايير مختلة.
كما دعم هذا الموقف الذي يعكس رؤية بمبادرة شجاعة ذات أبعاد إنسانية أطلقها الرئيس بن علي تتمثل في الدعوة إلى إحداث صندوق عالمي للتضامن والتي لاقت تجاوبا دوليا واسعا توّج بمصادقة الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الـ57 التي عقدت في العشرين من ديسمبر/كانون الأول من العام 2002 على إحداث هذا الصندوق.
ولا شك أن مصادقة الأمم المتحدة على هذه المبادرة بأبعادها النبيلة من شأنها إكساب الاستجابة البرلمانية الدولية للمبادرة التونسية حول الإرهاب رافدا جديدا لدول العالم و المنظمات والهيئات الإنسانية للتوقف أمامها ولاعتمادها،لاسيما في هذه الانعطافة التاريخية الدقيقة التي جعلت العالم يقف في مفترق طرق، تعددت فيه الإتجاهات وتاهت فيه قيم العدالة والحق.
إنها استجابة نوعية وجريئة ترتقي إلى مستوى الاعتراف الدولي المشحون بشيء من الأمل والتفاؤل بإمكانية تصحيح المواقف، ومراجعة الممارسات والسياسات السابقة التي ساهمت في تفشي الإرهاب بدعوى مقاومته.
ويبقى هذا التفاؤل مشروعا في هذه المرحلة التي يبدو فيها العالم كأنه يسابق الزمن بحثا عن مخرج يعالج بجدية هذه الظاهرة، ويطيح بسطوة القوي في فرض مفهومه لها، ويؤسس لعلاقات دولية تقوم على التعاون المشترك بين شعوبه، ذلك أن ظاهرة الإرهاب كشفت المستور، وفضحت الحسابات السياسية الضيقة. فهل تدرك المجموعة الدولية أهمية عامل الوقت وتسرع إلى تجسيد المبادرة التونسية على أرض الواقع بما يكفل معالجة هذه الظاهرة من جذورها؟